منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
اهلا وسهلا بكم عزيزى الزائر نروجو منك التسجيل بالمنتدى
وشكرا تحياتي أبـــــــــــو وســــــــــــــــام .....................
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
اهلا وسهلا بكم عزيزى الزائر نروجو منك التسجيل بالمنتدى
وشكرا تحياتي أبـــــــــــو وســــــــــــــــام .....................
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام

منتديات أبـــــــــــو وســـــــــــــام تـــــــــــرحـــــــــــــــــــــــب بـــــــــــــكم
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  شات فريق الاصحابشات فريق الاصحاب  هاتهات  

 

 تفسير سوره التكوير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
apowesam
Admin
Admin
apowesam


عدد المساهمات : 576
تاريخ التسجيل : 21/02/2010

تفسير سوره التكوير Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سوره التكوير   تفسير سوره التكوير Icon_minitimeالخميس فبراير 25, 2010 12:47 am

تفسير سوره التكوير Irtqa2-514e65d237سورة التكوير
** سورة التكوير مكية في قول الجميع. وهي تسع وعشرون آية وفي الترمذيّ: عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إليّ يوم القيامة (كأنه رَأيُ عينِ) فليقرأ إذا الشمس كورت, وإذا السماء انفطرت, وإذا السماء انشقت». قال: هذا حديث حسن غريب.
بِسم الله الرحمَن الرحيم

** قوله تعالى: إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ * وَإِذَا النّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ * وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السّمَآءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعّرَتْ * وَإِذَا الْجَنّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مّآ أَحْضَرَتْ }.
قوله تعالى: {إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ} قال ابن عباس: تكويرها: إدخالها في العرش. والحسن: ذهاب ضوئها. وقاله قتادة ومجاهد: وروي عن ابن عباس أيضاً. سعيد بن جُبير: عُوّرَتْ. أبو عبيدة: كورت مثل تكوير العمامة, تلف فتمحي. وقال الربيع بن خيثم: «كورت» رمُيِ بها¹ ومنه: كوّرته فتكوّر, أي سقط.
قلت: وأصل التكوير: الجمع, مأخوذ من كار العمامة على رأسه يكورها أي لاثها وجمعها فهي تُكَوّر ويمحي ضوءها, ثم يُرمْي بها في البحر. والله أعلم. وعن أبي صالح: كوّرت: نكّستْ. {وَإِذَا النّجُومُ انكَدَرَتْ} أي تهافتت وتناثرت. وقال أبو عبيدة: انصبّت كما تنصَبّ العُقاب إذا انكسرت. قال العجّاج يصف صقراً:
أصرَ خِربان فضاء فانكدرتقضّيَ البازِي إذا البازِي كَسَر

وروَى أبو صالح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَبقى في السماء يومئذ نجم إلا سقط في الأرض, حتى يفزَع أهل الأرض السابعة مما لَقِيت وأصاب العليا», يعني الأرض. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: تساقطت¹ وذلك أنها قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور, وتلك السلاسل بأيدي ملائكة من نور, فإذا جاءت النفخة الأولى مات من في الأرض ومن في السموات, فتناثرت تلك الكواكب وتساقطت السلاسل من أيدي الملائكة¹ لأنه مات من كان يمسكها. ويحتمل أن يكون انكدارها طَمْس آثارها. وسميت النجوم نجوماً لظهورها في السماء بضوئها. وعن ابن عباس أيضاً: انكدرت تغيرت فلم يبق لها ضوء لزوالها عن أماكنها. والمعنى متقارب. {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ} يعني قُلِعت من الأرض, وسيرت في الهواء¹ وهو مثل قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً} ((الكهف: 47). وقيل سيرُها تحوّلها عن منزلة الحجارة, فتكون كثيباً مَهِيلا, أي رملاً سائلاً, وتكون كالعِهن, وتكون هباء منثوراً, وتكون سَراباً, مثل السراب الذي ليس بشيء. وعادت الأرض قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا. وقد تقدم في غير موضع والحمد لله. {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطّلَتْ} أي النوق الحوامل التي في بطونها أولادها¹ الواحدة عُشَراء, أو التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر, ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع, وبعد ما تضع أيضاً. ومن عادة العرب أن يسمّوا الشيء باسمه المتقدّم وإن كان قد جاوز ذلك¹ يقول الرجل لفرسه وقد قَرِح: هاتوا مُهْري, يسميه بمتقدّم اسمه¹ قال عنترة:
لا تذكرِي مُهْرِي وما أطمعتُهفيكونَ جِلدُكِ مثلَ جِلدِ الأجرب

وقال أيضاً:
* وحَمَلْتُ مُهرِي وسْطَها فمضاها * وإنما خص العِشار بالذكر, لأنها أعز ما تكون على العرب, وليس يُعَطلها أهلها إلا حال القيامة. وهذا على وجه المثل¹ لأن في القيامة لا تكون ناقة عُشَرَاءَ, ولكن أراد به المثل¹ أن هول يوم القيامة بحال لو كان للرجل ناقة عُشَراءُ لعطّلها واشتغل بنفسه, وقيل: إنهم إذا قاموا من قبورهم, وشاهد بعضهم بعضاً, ورأوا الوُحوش والدوابّ محشورة, وفيها عِشارهم التي كانت أنفس أموالهم, لم يعبئوا بها, ولم يهمّهم أمرُها. وخُوطبت العرب بأمر العِشار¹ لأن ما لها وعيشها أكثره من الإبل. ووَي الضحاك عن ابن عباس: عُطّلت: عَطّلها أهلها, لاشتغالهم بأنفسهم. وقال الأعشى:
هو الواهِبُ المائةَ المصطفاةَ إما مَخاضاً وإما عِشارَا
وقال آخر:
ترى المرءَ مهجوراً إذا قلّ مالهُوبيتُ الغِنى يُهْدَي له ويُزارُ

وما ينفعُ الزوّارِ مالُ مَزُورِهِمإذا سَرَحَتْ شَوْلٌ له وعِشارُ

يقال: ناقة عُشَراء, وناقتان عُشَراوان, ونوق عِشارٌ وعُشَراوات, يبدلون من همزة التأنيث واواً. وقد عَشّرت الناقة تعشيراً: أي صارت عُشَراء. وقيل: العِشار: السحاب يُعَطّل مما يكون فيه وهو الماء فلا يمطر¹ والعرب تشبه السحاب بالحامل. وقيل: الديار تُعَطّل فلا تُسكن. وقيل: الأرض التي يُعَشّر زرْعها تعطل فلا تزرع. والأوّل أشهر, وعليه من الناس الأكثر. {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي جمعتْ والحشر: الجمع. عن الحسن وقتادة وغيرهما. وقال ابن عباس: حَشْرها: موتها. رواه عنه عِكرمة. وحَشْر كل شيء: الموت غيرَ الجن والإنس, فإنهما يُوافيان يوم القيامة. وعن ابن عباس أيضاً قال: يُحْشَر كل شيء حتى الذّباب. قال ابن عباس: تحشر الوحوش غداً: أي تجمع حتى يُقتصّ لبعضها من بعض, فيقتصّ للجَمّاء من القَرْناء, ثم يقال لها كوني تراباً فتموت. وهذا أصح مما رواه عنه عِكرمة, وقد بيناه في كتاب «التذكرة» مستوفى, ومضى في سورة «الأنعام» بعضُه. أي إن الوحوش إذا كانت هذه حالها فكيف ببني آدم. وقيل: عُنِي بهذا أنها مع نُفْرتها اليوم من الناس وتنددها في الصحارَى, تنضم غداً إلى الناس من أهوال ذلك اليوم. قال معناه أبيّ بن كعب. {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ} أي ملئت من الماء¹ والعرب تقول: سَجَرت الحوضَ أسَجّره سَجْرا: إذا ملأته, وهو مسجور, والمسجور والساجر في اللغة: الملاَن. وروى الربيع بن خيثم: سُجّرت: فاضت ومُلئت. وقاله الكلبيّ ومقاتل والحسن والضحاك. قال ابن أبي زَمْنين: سُجّرت: حقيقته مُلِئت, فيفِيض بعضها إلى بعض, فتصير شيئاً واحداً. وهو معنى قول الحسن. وقيل: أرسِل عَذْبها على مالحها, ومالحها على عذبها, حتى امتلأت. عن الضحاك ومجاهد: أي فُجرت فصارت بحراً واحداً. القشيريّ: وذلك بأن يرفع الله الحاجز الذي ذكره في قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ} (الرحمن: 20), فإذا رفع ذلك البرزخ تفجرت مياه البحار, فعمت الأرض كلها, وصارت البحار بحراً واحداً. وقيل: صارت بحراً واحداً من الحميم لأهل النار. وعن الحسن أيضاً وقتادة وابن حيان: تيبس فلا يبقى من مائها قطرة. القُشَيْريّ: وهو من سَجَرْت التنور أسْجُره سَجْرا: إذا أحميته, وإذا سُلّط عليه الإيقاد نشف ما فيه من الرطوبة, وتُسَيّر الجبال حينئذ, وتصير البحار والأرض كلها بساطاً واحداً, بأن يُمْلأ مكان البحار بتراب الجبال. وقال النحاس: وقد تكون الأقوال متفقة¹ يكون تيبس من الماء بعد أن يفيض, بعضها إلى بعض, فتقلَب ناراً.
قلت: ثم تُسَيّر الجبال حينئذ, كما ذكر القشيري, والله أعلم. وقال ابن زيد وشَمِر وعطية وسفيان ووهب وعلي بن أبي طالب وابن عباس في رواية الضحاك عنه: اُوقدت فصارت ناراً. قال ابن عباس: يُكَوّر الله الشمس والقمر والنجوم في البحر, ثم يبعث الله عليها ريحاً دَبُوراً, فتنفخُه حتى يصير ناراً. وكذا في بعض الحديث: يأمر الله جل ثناؤه الشمس والقمر والنجوم فينتثرون في البحر, ثم يبعث الله جل ثناؤه الدّبور فيسجّرها ناراً, فتلك نار الله الكبرى, التي يعذب بها الكفار. قال القشيْري: قيل في تفسير قول ابن عباس {سُجّرَتْ} أوقدت, يحتمل أن تكون جهنم في قُعور من البحار, فهي الاَن غير مسْجورة لِقوام الدنيا, فإذا انقضت الدنيا سُجّرت, فصارت كلها ناراً يدخلها الله أهلها. ويحتمل أن تكون تحت البحر نار, ثم يوقد الله البحر كله فيصير ناراً. وفي الخبَر: البحر نار في نار وقال معاوية بن سعيد: بحر الروم وسْط الأرض, أسفله آبار مُطْبقة بنُحاس يُسَجّر ناراً يوم القيامة. وقيل: تكون الشمس في البحر, فيكون البحر ناراً بحر الشمس. ثم جميع ما في هذه الاَيات يجوز أن يكون في الدنيا قبل يوم القيامة ويكون من أشراطها, ويجوز أن يكون يوم القيامة, وما بعد هذه الاَيات فيكون في يوم القيامة.
قلت: رُوِي عن عبد الله بن عمرو: لا يتوضأ بماء البحر لأنه طَبَق جَهَنم. وقال أبيّ بن كعب: ست آيات من قَبْل يوم القيامة: بينما الناس في أسواقهم ذهب ضوء الشمس وبدت النجوم فتحيروا ودُهِشوا, فبينما هم كذلك ينظرون إذ تناثرت النجوم وتساقطت, فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض,فتحرّكت واضطربت واحترقت, فصارت هباء منثوراً, ففزعت الإنس إلى الجنّ والجنّ إلى الإنس, واختلطت الدوابّ والوحوش والهوامّ والطير, وماج بعضها في بعض¹ فذلك قوله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} ثم قالت الجنّ للإنس: نحن نأتيكم بالخبر, فانطلقوا إلى البحار فإذا هي نار تأجّج, فبينما هم كذلك تصدّعتِ الأرض صَدْعة واحدة إلى الأرض السابعة السّفلَى, وإلى السماء السابعة العليا, فبينما هم كذلك إذا جاءتهم ريح فأماتتهم. وقيل: معنى «سُجّرت»: هو حُمْرة مائها, حتى تصير كالدم¹ مأخوذ من قولهم: عين سَجْراء: أي حمراء. وقرأ ابن كثير «سُجِرَت» وأبو عمرو أيضاً, إخباراً عن حالها مرة واحدة. وقرأ الباقون بالتشديد إخباراً عن حالها في تكرير ذلك منها مرة بعد أخرى.
قوله تعالى: {وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ} قال النعمان بن بشير: قال النبي صلى الله عليه وسلم «واِذا النفوس زُوّجت» قال: «يُقْرَن كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون كعمله». وقال عمر بن الخطاب: يُقْرَن الفاجر مع الفاجر, ويقرن الصالح مع الصالح. وقال ابن عباس: ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة, السابقون زوج ـ يعني صنفاً ـ وأصحاب اليمين زوج, وأصحاب الشمال زوج. وعنه أيضاً قال: زُوّجت نفوس المؤمنين بالحُور العين, وقُرن الكافر بالشياطين, وكذلك المنافقون. وعنه أيضاً: قُرِن كل شكل بشكله من أهل الجنة وأهل النار, فيضم المَبرّز في الطاعة إلى مثله, والمتوسط إلى مثله, وأهل المعصية إلى مثله¹ فالتزويج أن يُقرن الشيء بمثله¹ والمعنى: وإذا النفوس قُرنت إلى أشكالها في الجنة والنار. وقيل: يضم كل رجل إلى من كان يلزمه من مَلِك وسطلان, كما قال تعالى: {احْشُرُواْ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ}. وقال عبد الرحمن بن زيد: جُعلوا أزواجاً على أشباه أعمالهم ليس بتزويج, أصحاب اليمين زوج, وأصحاب الشمال زوج, والسابقون زوج¹ وقد قال جل ثناؤه: {احْشُرُواْ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} (الصافات: 22) أي أشكالهم. وقال عِكرمة: {وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ} قرنت الأرواح بالأجساد¹ أي ردت إليها. وقال الحسن: ألحق كل امريء بشيعته: اليهود باليهود, والنصارى بالنصارى, والمجوس بالمجوس, وكل من كان يعبد شيئاً من دون الله يُلْحَق بعضهم ببعض, والمنافقون بالمنافقين, والمؤمنون بالمؤمنين. وقيل: يُقْرَن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان, على جهة البغض والعداوة, ويقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين. وقيل: قُرِنت النفوس بأعمالها, فصارت لاختصاصها به كالتزويج.
قوله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} {بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} الموءودة المقتولة¹ وهي الجارية تدفن وهي حية, سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب, فيؤودها أي يثقلها حتى تموت¹ ومنه قوله تعالى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي لا يثقله¹ وقال متمم بن نُويرة:
ومَوءودة مَقبورة فِي مَفازةٍبآمتِها مَوْسودة لم تُمَهّد
وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين¹ إحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله, فألحقوا البنات به. الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق, وإما خوفاً من السبيْ والاسترقاق. وقد مضى في سورة «النحل» هذا المعنى, عند قوله تعالى: {أَمْ يَدُسّهُ فِي التّرَابِ} (النحل: 59) مستوفًى. وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا, ويمنعون منه, حتى افتخر به الفرزدق, فقال:
ومِنّا الّذي منعَ الوائِداتِفأحيا الوِئيد فلم يُوأدِ
يعني جدّه صعصعة كان يشتريهن من آبائهن, فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موءودة. وقال ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة, وتمخضت على رأسها, فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة, وردّتِ التراب عليها, وإن ولدت غلاماً حبسته, ومنه قول الراجز:
سَمّيتها إذ وُلِدتْ تموتُوالقبرُ صِهرٌ ضامِنٌ زِمّيتُ
الزّميت الوقور, والزميت مثال الفِسيق أوقر من الزّمِيتِ, وفلان أزمت الناس أي أوقرهم, وما أشد تَزَمته¹ عن الفراء. وقال قتادة: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته, ويغذو كلبه, فعاتبهم الله على ذلك, وتوعدهم بقوله: «واِذا الموءودة سئِلت» قال عمر في قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} قال: جاء قيس بن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنى وأدت ثمانَ بنات كنّ لي في الجاهلية, قال: «فأعتِق عن كل واحدة منهن رقبة» قال: يا رسول الله إني صاحب إبل, قال: «فأهْدِ عن كل واحدة منهنّ بَدَنة إن شئت». وقوله تعالى: «سُئِلت» سؤال الموءودة سُؤال توبيخ لقاتلها, كما يقال للطفل إذا ضُرِب: لم ضُرِبت؟ وما ذنبك؟ قال الحسن: أراد الله أن يُوبّخ قاتلها¹ لأنها قُتِلت بغير ذنب. وقال ابن أسلم: بأي ذنب ضُرِبت, وكانوا يُضربونها. وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى «سئلت» قال: طُلِبت¹ كأنه يريد كما يُطلب بدم القتيل. قال: وهو كقوله: {وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولاً} (الأحزاب: 15) أي مطلوباً. فكأنها طُلِبت منهم, فقيل أين أولادكم؟! وقرأ الضحاك وأبو الضّحا عن جابر بن زيد وأبي صالح «واِذا الموءودة سَألت» فتتعلق الجارية بأبيها, فتقول: بأيّ ذنب قتلتني؟! فلا يكون له عذر¹ قاله ابن عباس وكان يقرأ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} وكذلك هو في مصحف اُبيّ. وروي عِكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقاً ولدُها بثدييها, ملطخاً بدمائه, فيقول يا ربّ, هذه أمي, وهذه قتلتني» والقول الأوّل عليه الجمهور, وهو مثل قوله تعالى لعيسى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنّاسِ} (المائدة: 116), على جهة التوبيخ والتبكيت لهم, فكذلك سؤال الموءودة توبيخ لوائدها, وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها¹ لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب, فبأيّ ذنب كان ذلك, فإذا ظهر أنه لا ذنب لها, كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها. والله أعلم. وقريء «قُتّلت» بالتشديد, وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يُعَذّبون, وعلى أن التعذيب لا يُستَحقّ إلا بذنب.
قوله تعالى: {وَإِذَا الصّحُفُ نُشِرَتْ} أي فُتحت بعد أن كانت مطوية, والمراد صحف الأعمال التي كَتَبَت الملائكة فيها ما فعل أهلها من خير وشر, تُطْوَى بالموت, وتنشر في يوم القيامة, فيقف كل إنسان على صحيفته, فيعلم ما فيها, فيقول: {مَا لِهَـَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا} (الكهف: 49). وروَي مَرْثَد بن وَدَاعة قال: إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش, فتقع صحيفة المؤمن في يده {فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ} (الغاشية: 10) إلى قوله: {الأيّامِ الْخَالِيَةِ} (الحاقة: 24) وتقع صحيفة الكافر في يده «فِي سَمُومٍ وحَمِيم «إلى قوله: ولا كريم». ورُوِي عن أمّ سلمة رضي الله عنها. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يُحْشَر الناس يوم القيامة حُفاة عراة» فقلت: يا رسول الله! فكيف بالنساء؟ قال: «شُغِل الناس يا أمّ سَلَمة». قلت: وما شَغَلَهم؟ قال: «نشر الصحف فيها مثاقيل الذرّ ومثاقيل الخردل». وقد مضى في سورة «سُبْحان» قول أبي الثوّار العدَوِيّ: هما نَشْرَتان وطَيّة, أما ما حييت يا بن آدم فصحيفتك المنشورة, فأملِ فيها ما شئت, فإذا مِت طوِيت, حتى إذا بُعثت نشِرت «اقرأ كِتابك كفى بِنفسِك اليوم عليك حسِيباً». وقال مقاتل: إذا مات المرء طُوِيت صحيفة عمله, فإذا كان يوم القيامة نُشِرت. وعن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا قرأها قال: إليك يساق الأمر يا بن آدم. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وأبو عمرو «نُشِرَتْ» مخففة, على نشرت مرة واحدة, لقيام الحجة. الباقون بالتشديد, على تكرار النشر, للمبالغة في تقريع العاصي, وتبشير المطيع. وقيل: لتكرار ذلك من الإنسان والملائكة الشهداء عليه.
قوله تعالى: {وَإِذَا السّمَآءُ كُشِطَتْ}: الكشط: قَلْع عن شدّة التزاق¹ فالسماء تُكْشَط كما يكْشَط الجلد عن الكبش وغيره, والقَشْط: لغة فيه. وفي قراءة عبد الله {وَإِذَا السّمَآءُ كُشِطَتْ} وكَشَطْتُ البعير كشطاً: نزعت جلده, ولا يقال سَلَخْته¹ لأن العرب لا تقول في البعير إلا كَشَطْته أو جَلّدته, وانكشط: أي ذهب¹ فالسماء تُنْزَع من مكانها كما ينزع الغِطاء عن الشيء. وقيل: تُطْوَى كما قال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السّمَآءَ كَطَيّ السّجِلّ لِلْكُتُبِ}, فكأن المعنى: قلِعت فطويت. والله أعلم.
قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعّرَتْ} أي أوقدت فاُضْرمت للكفار وزيدَ في إحمائها. يقال: سَعّرْتُ النار وأسعرتها. وقراءة العامة بالتخفيف من السعير. وقرأ نَافع وابن ذَكوانَ ورُوَيْس بالتشديد¹ لأنها أوقدت مرة بعد مرة. قال قتادة: سَعّرها غضب الله وخطايا بني آدم. وفي الترمذِيّ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوقد على النار ألفَ سنة حتى احمرت, ثم أوقد عليها ألفَ سنةٍ حتى ابيضّت, ثم أوقد عليها ألفَ سنة حتى اسودّت, فهي سوداء مُظلمة» ورُوِي موقوفاً.
قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَنّةُ أُزْلِفَتْ} أي دَنَتْ وقُرّبت من المتقين. قال الحسن: إنهم يُقَرّبون منها¹ لا أنها تزول عن موضعها. وكان عبد الرحمن بن زيد يقول: زُينت: أزْلِفَتْ؟ والزلفى في كلام العرب: القُربة¹ قال الله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ}, (الشعراء: 90) وتزلف فلان تقرب.
قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مّآ أَحْضَرَتْ} يعني ما عملت من خير وشر. وهذا جواب {إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ} وما بعدها. قال عمر رضي الله عنه لهذا اُجري الحديث. ورُوِيَ عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما أنهما قرآها, فلما بلغا «علِمت نفس ما أحْضَرت» قالا لهذا أجريت القصة¹ فالمعنى على هذا إذا الشمس كورت وكانت هذه الأشياء, علمت نفس ما أحضرت من عملها. وفي الصحيحين عن عديّ بن حاتم قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ما بينه وبينه ترجمان, فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّمه (وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم) بين يديه, فتستقبله النار, فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل» وقال الحسن: «اِذ الشمس كورت» قسم وقع على قوله: «علِمت نفس ما أحضرت» كما يقال: إذا نفَرَ زيد نفر عمرو. والقول الأوّل أصح. وقال ابن زيد عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ} إلى قوله: {وَإِذَا الْجَنّةُ أُزْلِفَتْ} اثنتا عشرة خصلة: ستة في الدنيا, وستة في الاَخرة¹ وقد بينا الستة الأولى بقول أبيّ بن كعب.

** قوله تعالى: فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ * الْجَوَارِ الْكُنّسِ * وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصّبْحِ إِذَا تَنَفّسَ * إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مّطَاعٍ ثَمّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ }.
قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ} أي أقسم, و «لا» زائدة, كما تقدّم. {بِالْخُنّسِ} {الْجَوَارِ الْكُنّسِ} هي الكواكب الخمسة الدّراريّ: زُحَل والمُشترِي وعُطارِد والمِرّيخُ والزّهَرة, فيما ذكر أهل التفسير. والله أعلم. وهو مَرويّ عن عليّ كرم الله وجهه. وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان: أحمدهما ـ لأنها تَستقبل الشمس¹ قاله بكر بن عبد الله المُزَني. الثاني ـ لأنها تقطع المجرّة¹ قاله ابن عباس. وقال الحسن وقتادة: هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت, وقاله عليّ رضي الله عنه, قال: هي النجوم تخنِس بالنهار, وتظهر بالليل¹ وتكنِس في وقت غروبها¹ أي تتأخر عن البَصر لخفائها, فلا تُرَى. وفي الصحاح: و «الخُنّس»: الكواكب كلها. لأنها تخنِس في المغيب, أو لأنها تخنِس نهاراً. ويقال: هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة. وقال الفراء في قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ} {الْجَوَارِ الْكُنّسِ}: إنها النجوم الخمسة¹ زُحل والمشترِي والمِرّيخ والزّهَرة وعطارد¹ لأنها تَخنِس في مجراها, وتَكْنِس, أي تستتر كما تكنِس الظباء في المغار, وهو الكناس. ويقال: سميت خُنّسا لتأخرها, لأنها الكواكب المتحيرة التي ترجع وتستقيم, يقال: خَنَس عنه يَخْنُس بالضم خنوساً: تأخر, وأخنسه غيره: إذا خلّفه ومضى عنه. والخَنَس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة, والرجل أخنس, والمرأة خنساء, والبقر كلها خُنْس. وقد روي عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ} هي بقرة الوحش. روي هُشَيم عن زكريا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شُرَحبيل قال قال لي عبد الله بن مسعود: إنكم قوم عرب فما الخنس؟ قلت: هي بقر الوحش¹ قال: وأنا أرى ذلك. وقاله إبراهيم وجابر بن عبد الله. وروي عن ابن عباس: إنما أقسم الله ببقر الوحش. وروي عنه عِكرمة قال: «الخُنّس»: البقر و «الكنّس»: هي الظباء, فهي خُنّس إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ وانقبضن وتأخرن ودخلن كِناسهنّ. القشيريّ: وقيل على هذا «الخُنّس» من الخَنَس في الأنف, وهو تأخُر الأرنبة وقصر القَصَبة, وأنوف البقر والظباء خنس. والأصح الحمل على النجوم, لذكر الليل والصبح بعد هذا, فذكر النجوم أليق بذلك.
قلت: لله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان وجماد, وإن لم يعلم وجه الحكمة في ذلك. وقد جاء عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله وهما صحابيان والنخعي أنها بقر الوحش. وعن ابن عباس وسعيد بن جُبير أنها الظباء. وعن الحجاج بن منذر قال: سألت جابر بن زيد عن الجواري الكُنّس, فقال: الظباء والبقر, فلا يبعد أن يكون المراد النجوم. وقد قيل: إنها الملائكة¹ حكاه الماورديّ. والكُنّس الغُيّب¹ مأخوذة من الكِناس, وهو كِناس الوحش الذي يختفي فيه. قال أوس بن حَجَر:
ألم تر أنّ اللّهَ أنزلَ مُزْنَهُوعُفْرُ الظباءِ في الكِناس تَقَمّعُ

وقال طَرَفة:
كأنْ كِناسَيْ ضالةٍ يَكْنُفانِهاوأطْرَ قِسِيّ تحتَ صُلْبٍ مُؤَيّدِ

وقيل: الكُنوس أن تأوي إلى مكانسها, وهي المواضع التي تأوي إليها الوحش والظباء. قال الأعشى:
فلمّا أتينا الحي أتْلَعَ أنَسٌكما أتلَعَتْ تحتَ المكانِس رَبْربُ

يقال: تَلَع. النهار ارتفع وأتلعتِ الظبية من كِناسها: أي سَمَت بجيدها. وقال امرُؤ القيس:
تَعَشّى قليلاً ثم أنحى ظُلُوفهيثِير التراب عن مَبِيتٍ ومَكْنِسِ

والكُنّس: جمع كانِس وكانِسة, وكذا الخُنّس جمع خانِس وخانِسة. والجواري: جمع جارية من جرى يجري. {وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} قال الفراء: أجمع المفسرون على أن معنى عسعسَ أدبَر¹ حكاه الجوهريّ. وقال بعض أصحابنا: إنه دنا من أوله وأظلم وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض. المهدويّ. {وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} أدبر بظلامه¹ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وروي عنهما أيضاً وعن الحسن وغيره: أقبل بظلامه. زيد بن أسلم: «عسعسَ» ذهب. الفرّاء: العرب تقول عسعس وسَعْسَع إذا لم يبق منه إلا اليسير. الخليل وغيره: عسعس الليل إذا أقبل أو أدبر. المبرد: هو من الأضداد, والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد, وهو ابتداء الظلام في أوّله, وإدباره في آخره¹ وقال علقمة بن قرط:
حتى إذا الصبحُ لها تنفّساوانجابَ عنها ليلُها وعَسْعَسَا

وقال رُؤْبة:
يا هندُ ما أسرعَ ما تَسَعْسَعَامن بَعْدِ ما كان فَتًى سَرَعْرَعَا

وهذه حجة الفراء. وقال امرؤ القيس:
عَسْعَسَ حتّى لو يشاءُ ادّناكانَ لنا مِن نارِهِ مَقْبِسُ

فهذا يدل على الدنوّ. وقال الحسن ومجاهَد: عَسَعَسَ: أظلم¹ قال الشاعر:
حتى إذا ما ليلُهن عسعسَارِكبن مِن حد الظلامِ حِندِسَا

الماورديّ: وأصل العسّ الامتلاء¹ ومنه قيل للقدح الكبير عُسّ لامتلائه بما فيه, فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه¹ وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه على ظلامه¹ لاستكمال امتلائه به. وأما قول امرىء القيس:
* ألمّـا على الربـعِ القديم بِعسْعَسَا * فموضع بالبادية. وعسعس أيضاً اسم رجل¹ قال الرجز:
* وعَسْعَسَ نِعْـمَ الفـتى تبيـاه * أي تعتمده. ويقال للذئب العَسْعَس والعَسْعاس والعَسّاس¹ لأنه يَعُسّ بالليل ويطلب. ويقال للقنافذ العَسَاس لكثرة ترددها بالليل. قال أبو عمرو: والتعسعس الشم, وأنشد:
* كمنخـر الذّئبِ إذا تَعَسْعَسَـا * والتعسعس أيضاً: طلب الصيد (بالليل).
قوله تعالى: {وَالصّبْحِ إِذَا تَنَفّسَ} أي امتدّ حتى يصير نهاراً واضحاً¹ يقال للنهار إذا زاد: تنفس. وكذلك الموج إذا نضح الماء. ومعنى التنفس: خروج النسيم من الجوف. وقيل: «اِذا تنفس» أي انشق وانفلق¹ ومنه تنفست القوس أي تصدعت. {إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} هذا جواب القسم. والرسول الكريم جبريل¹ قاله الحسن وقتادة والضحاك. والمعنى «اِنه لقول رسولٍ» عن الله «كرِيم» على الله. وأضاف الكلام إلى جبريل عليه السلام, ثم عداه عنه بقوله «تنزيل مِن رب العالمِين» ليعلم أهل التحقيق في التصديق, أن الكلام لله عز وجل. وقيل: هو محمد عليه الصلاة والسلام {ذِي قُوّةٍ}: من جعله جبريل فقوّته ظاهرة¹ فروي الضحاك عن ابن عباس قال: من قوّته قلعه مدائن قوم لُوط بقوادم جناحه. {عِندَ ذِي الْعَرْشِ} أي عند الله جل ثناؤه {مَكِينٍ} أي ذي منزلة ومكانة¹ فُروي عن أبي صالح قال: يدخل سبعين سُرادِقاً بغير إذن. {مّطَاعٍ ثَمّ}: أي في السموات¹ قال ابن عباس: من طاعة الملائكة جبريل, أنه لما أسْرِى برسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريل عليه السلام لرضوان خازن الجنان: افتح له, ففتح, فذخل ورأى ما فيها, وقال لمالك خازن النار: افتح له جهنم حتى ينظر إليها, فأطاعه وفتح له. {أَمِينٍ} أي مؤتمن على الوحي الذي يجيء به. ومن قال: إن المراد محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى «ذِي قوةٍ» على تبليغ الرسالة «مُطاعٍ» أي يطيعه من أطاع الله جلّ وعزّ. {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أن يرى جبريل في الصورة التي يكون بها عند ربه جلّ وعز فقال: ما ذاك إليّ¹ فأذن له الرب جل ثناؤه, فأتاه وقد سدّ الأفق, فلما نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه, فقال المشركون: إنه مجنون, فنزلت: {إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} وإنما رأى جبريل على صورته فهابه, وورد عليه ما لم تحتمل بِنيته, فخرّ مغشياً عليه.

** قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالاُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ * فَأيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ }.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالاُفُقِ الْمُبِينِ} أي رأى جبريل في صورته, له ستمائة جَناح. {بِالاُفُقِ الْمُبِينِ} أي بمطلع الشمس من قِبل المَشْرق¹ لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مُبين. أي من جهته تُرَى الأشياء. وقيل: الأفق المبين: أقطار السماء ونواحيها¹ قال الشاعر:
أخَذْنا بِآفاقِ السماءِ عليكُمُلنا قَمراها والنجومُ الطوالِعُ

الماورديّ: فعلى هذا, فيه ثلاثة أقاويل¹ أحدها: أنه رآه في أفق السماء الشرقيّ¹ قاله سفيان. الثاني: في أفق السماء الغربيّ, حكاه ابن شجرة. الثالث: أنه رآه نحو أجياد, وهو مَشْرق مكة¹ قاله مجاهد. وحكى الثعلبيّ عن ابن عباس, قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «إني أحبّ أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء» قال: لن تقدر على ذلك. قال: «بلى» قال: فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال: «بالأبطح» قال: لا يسعُني. قال: «فبِمنًى» قال: لا يسعني. قال: «فبعرفات» قال: ذلك بالحرى أن يسعني. قواعده فخرج النبي صلى الله عليه وسلم للوقت, فإذا هو قد أقبل بخَشْخَشةٍ وكَلْكلةٍ من جبال عَرَفات, قد ملأ ما بين المشرق والمغرب¹ ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض, فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خرّ مغشياً عليه, فتحول جبريل في صورته, وضمه إلى صدره. وقال: يا محمد لا تخف¹ فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة, وإن العرش على كاهله, وإنه ليتضاءل أحياناً من خشية الله, حتى يصير مثل الوَصَع ـ يعني العصفور ـ حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. وقيل: إن محمداً عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين. وهو معنى قول ابن مسعود. وقد مضى القول في هذا في «والنجم» مستوفًى, فتأمله هناك. وفي «المبين» قولان: أحدهما أنه صفة الأفق¹ قاله الربيع. الثاني أنه صفة لمن رآه¹ قاله مجاهد. {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}: بالظاء, قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائيّ, أي بمتّهم, والظنة التّهمَة¹ قال الشاعر:
أما وكِتاب اللّهِ لا عن شناءةٍهُجِرتُ ولكِنّ الظنِينَ ظَنِينُ

واختاره أبو عُبيد¹ لأنهم لم يُبَخّلوه ولكن كذبوه¹ ولأن الأكثر من كلام العرب: ما هو بكذا, ولا يقولون: ما هو على كذا, إنما يقولون: ما أنت على هذا بمتّهم. وقرأ الباقون «بِضَنِينٍ» بالضاد: أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنّا (فهو) ضنِين. فروي ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يضنّ عليكم بما يعلم, يُعَلّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه. وقال الشاعر:
أجود بِمكنونِ الحديثِ وإننِيبِسِرّكِ عمن سالنِي لضَنِينُ

والغَيْب: القرآن وخبر السماء. ثم هذا صفة محمد عليه السلام. وقيل: صفة جبريل عليه السلام. وقيل: بظَنين: بضعيف. حكاه الفراء والمبرد¹ يقال: رجل ظنِين: أي ضعيف. وبئر ظَنونٌ: إذا كانت قليلة الماء¹ قال الأعشى:
ما جُعِل الجُدّ الظّنونُ الذيجُنّب صَوْبَ اللجِبِ الماطِرِ

مِثلَ الفُراتِيّ إذا ما طمايقذِف بالبُوصِيّ والماهِرِ

والظّنون: الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا؟ ومنه حديث عليّ عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون, قال: يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقاً. والظّنون: الرجل السيّيء¹ فهو لفظ مشترك. {وَمَا هُوَ} يعني القرآن {بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رّجِيمٍ} أي مرجوم ملعون, كما قالت قريش. قال عطاء: يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه. {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} قال قتادة: فإلى أين تعدِلون عن هذا القول وعن طاعته. كذا روَى مَعْمر عن قتادة¹ أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي. وقال الزجاج: فأيّ طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بَيّنت لكم. ويقال: أين تذهب؟ وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب: ذهبت الشامَ وخرجت العراقَ وانطلقت السوقَ: أي إليها. قال: سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة¹ وأنشد بعض بني عُقَيل:
تصِيح بنا حنِيفةُ إذْ رأتناوأيّ الأرضِ تذهبُ بالصياحِ

يريد إلى أي أرض تذهب, فحذف إلى. وقال الجنيد: معنى الاَية مقرون بآية أخرى, وهي قوله تعالى: {وَإِن مّن شَيْءٍ إِلاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} (الحجر: 21) المعنى: أيّ طريق تسلكون أبينَ من الطريق الذي بينه الله لكم. وهذا معنى قول الزجاج. {إِنْ هُوَ} يعني القرآن {إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ} أي مَوْعظة وزَجْر. و «إنْ» بمعنى «ما». وقيل: ما محمد إلا ذِكر. {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} أي يتبع الحق ويقيم عليه. وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى: لما نزلت {لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} قال أبو جهل: الأمر إلينا. إن شئنا استقمنا, وإن شئنا لم نستقم ـ وهذا هو القَدَر, وهو رأس القَدَرية ـ فنزلت: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ}, فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله, ولا شراً إلا بخذلانه. وقال الحسن: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها. وقال وهب بن مُنبه: قرأتُ في سبعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله على الأنبياء: من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر. وفي التنزيل: {قَالُوَاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } (الأنعام: 111). وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ} (يونس: 100). وقال تعالى: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} (القصص: 56) والاَي في هذا كثير, وكذلك الأخبار, وأن الله سبحانه هدى بالإسلام, وأضل بالكفر, كما تقدم في غير موضع. ختمت السورة والحمد لله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://apowesam.yoo7.com
 
تفسير سوره التكوير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سوره عبس
» تفسير سوره عبس
» تفسير سوره القارعه
» تفسير سوره المطففين
» تفسير سوره والعاديات

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام :: الفئة الأولى :: فى رحاب القرءان-
انتقل الى: