منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
اهلا وسهلا بكم عزيزى الزائر نروجو منك التسجيل بالمنتدى
وشكرا تحياتي أبـــــــــــو وســــــــــــــــام .....................
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
اهلا وسهلا بكم عزيزى الزائر نروجو منك التسجيل بالمنتدى
وشكرا تحياتي أبـــــــــــو وســــــــــــــــام .....................
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام

منتديات أبـــــــــــو وســـــــــــــام تـــــــــــرحـــــــــــــــــــــــب بـــــــــــــكم
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  شات فريق الاصحابشات فريق الاصحاب  هاتهات  

 

 تفسير سوره عبس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
apowesam
Admin
Admin
apowesam


عدد المساهمات : 576
تاريخ التسجيل : 21/02/2010

تفسير سوره عبس Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سوره عبس   تفسير سوره عبس Icon_minitimeالخميس فبراير 25, 2010 12:48 am

تفسير سوره عبس Quran-very-oldسورة عَبَس
سورة عَبَس مكية في قول الجميع, وهي إحدى وأربعون آيةبِسْم الله الرحمَن الرحيم
** قوله تعالى: عَبَسَ وَتَوَلّىَ * أَن جَآءَهُ الأعْمَىَ * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ * أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ }.
فيه ست مسائل:
الأولى ـ قوله تعالى: {عَبَسَ} أي كلح بوجهه¹ يقال: عبس وبَسَر. وقد تقدّمَ. {وَتَوَلّىَ} أي أعرض بوجهه {أَن جَآءَهُ} «أنْ» في موضع نصب لأنه مفعول له, المعنى لأن جاءه الأعمى, أي الذي لا يبصر بعينيه. فروي أهل التفسير أجمع أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم, فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَقْطَع عبدُ الله عليه كلامه, فأعرض عنه, ففيه نزلت هذه الاَية. قال مالك: إن هشام بن عُروة حدّثه عن عروة, أنه قال: نزلتْ «عبس وتولى» في ابن أمّ مكتوم¹ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا محمد استدنني, وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يُعرِض عنه ويُقْبل على الاَخر, ويقول: «يا فلان, هل ترى بما أقولُ بأساً»؟ فيقول: لا والدّمَى ما أرى بما تقول بأساً¹ فأنزل الله «عبس وتولى». وفي الترمذي مسنداً قال: حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الاُموي, حدّثني أبي, قال هذا ما عرضنا على هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة, قالت: نزلت «عبس وتولى» في ابن أمّ مكتوم الأعمى, أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني, وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرض عنه, ويُقْبل على الاَخر, ويقول: «أترى بما أقول بأساً» فيقول: لا¹ ففي هذا نزلت¹ قال: هذا حديث غريب.
الثانية ـ الاَية عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم. ويقال: عمرو بن أم مكتوم, واسم أمّ مكتوم عاتكة بنت عامر بن مخزوم, وعمرو هذا: هو ابن قيس بن زائدة بن الأصمّ, وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها. وكان قد تشاغل عنه برجل من عظماء المشركين, يقال كان الوليد بن المغيرة. ابن العربي: قاله المالكية من علمائنا, وهو يكني أبا عبد شمس. وقال قتادة: هو أمية بن خلص وعنه: أبيّ بن خلف. وقال مجاهد: كانوا ثلاثة عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبيّ بن خلف. وقال عطاء عتبة بن ربيعة. سفيان الثوري: كان النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه العباس. الزمخشري: كان عنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة, أبو جهل بن هشام, والعباس بن عبد المطلب, وأمية بن خَلَف, والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الإسلام, رَجاء أن يُسْلم بإسلامهم غيرهم. قال ابن العربيّ: أما قول علمائنا إنه الوليد بن المغيرة فقد قال آخرون إنه أمية بن خلف والعباس وهذا كله باطل وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا الدين, ذلك أن أمية بن خلف والوليد كانا بمكة وابن أمّ مكتوم كان بالمدينة, ما حضر معهما ولا حضرا معه, وكان موتهما كافرين, أحدهما قبل الهجرة, والاَخر ببدر, ولم يقصد قط أمية المدينة, ولا حضر عنده مفرداً, ولا مع أحد.
الثالثة ـ أقبل ابن أمّ مكتوم والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بمن حضره من وجوه قريش يدعوهم إلى الله تعالى, وقد قوِي طمعه في إسلامهم, وكان في إسلامهم إسلام من وراءهم من قومهم, فجاء ابن أمّ مكتوم وهو أعمى فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله, وجعل يناديه ويكثر النداء, ولا يدري أنه مشتغل بغيره, حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعة كلامه, وقال في نفسه: يقول هؤلاء: إنما أتباعه العُميان والسّفلة والعبيد¹ فعبَس وأعرض عنه, فنزلت الاَية. قال الثّوريّ: فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أمّ مكتوم يبسط له رداءه ويقول: «مرحبا بمن عاتبني فيه ربي». ويقول: «هل من حاجة»؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما. قال أنس: فرأيته يوم القادسية راكباً وعليه درع ومعه راية سوداء.
الرابعة ـ قال علماؤنا: ما فعله ابن أمّ مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم مشغول بغيره, وأنه يرجو إسلامهم, ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصّفّة¹ أو ليعلم أن المؤمن الفقير خير من الغني, وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيراً أصلح وأولى من الأمر الاَخر, وهو الإقبال على الأغنياء طمعاً في إيمانهم, وإن كان ذلك أيضاً نوعاً من المصلحة, وعلى هذا يخرج قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىَ} (الأنفال: 67) الاَية. على ما تقدّم. وقيل: إنما قصد النبي صلى الله عليه وسلم تأليف الرجل, ثقة بما كان في قلب ابن أمّ مكتوم من الإيمان¹ كما قال: «إني لأصل الرجل وغيره أحب إليّ منه, مخافة أن يكُبه الله في النار على وجهه».
الخامسة ـ قال ابن زيد: إنما عبس النبي صلى الله عليه وسلم لابن أمّ مكتوم وأعرض عنه¹ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه, فدفعه ابن أمّ مكتوم, وأبى إلا أن يكلم النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلمه, فكان في هذا نوعُ جفاء منه. ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه صلى الله عليه وسلم: «عبَس وتولّى» بلفظ الإخبار عن الغائب, تعظيماً له ولم يقل: عبَستَ وتوليتَ. ثم أقبل عليه بمواجهة الخطاب تأنيساً له فقال: {وَمَا يُدْرِيكَ} أي يعلمك {لَعَلّهُ} يعني ابن أمّ مكتوم {يَزّكّىَ} بما استدعَى منك تعليمه إياه من القرآن والدين, بأن يزداد طهارة في دينه, وزوال ظلمة الجهل عنه. وقيل: الضمير في «لعله» للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذّكر, فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يُدْريك أن ما طمعت فيه كائن. وقرأ الحسن «آأن جاءه الأعمى» بالمدّ على الاستفهام فـ «ـأن» متعلقة بفعل محذوف دل عليه «عبس وتولى» التقدير: آأن جاءه أعرض عنه وتولى؟ فيوقف على هذه القراءة على «وتولّى», ولا يوقف عليه على قراءة الخبر, وهي قراءة العامة.
السادسة ـ نظير هذه الاَية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام: {وَلاَ تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ} (الأنعام: 52) وكذلك قوله في سورة الكهف: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ} (الكهف: 28) وما كان مثله, والله أعلم: {أَوْ يَذّكّرُ} يتعظ بما تقول {فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ} أي العظة. وقراءة العامة «فتنفعُه» بضم العين, عطفاً على «يَزّكّى». وقرأ عاصم وابن أبي إسحاق وعيسى «فتنفَعه» نصباً. وهي قراءة السّلمِيّ وزِرّ بن حُبَيش, على جواب لعل, لأنه غير موجَب¹ كقوله تعالى: {لّعَـلّيَ أَبْلُغُ الأسْبَابَ} (غافر: 36) ثم قال: {فَاطّلَعَ} (الصافات: 55).

** قوله تعالى: أَمّا مَنِ اسْتَغْنَىَ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدّىَ * وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزّكّىَ * وَأَمّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىَ * وَهُوَ يَخْشَىَ * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّىَ }.
قوله تعالى: {أَمّا مَنِ اسْتَغْنَىَ} أي كان ذا ثروة وغِنًى {فَأَنتَ لَهُ تَصَدّىَ} أي تَعَرّضُ له, وتُصْغِي لكلامه. والتصدّي: الإصغاء¹ قال الراعي:
تَصَدّى لوضّاحٍ كأنّ جَبينهسراجُ الدّجَى يَحْنِي إليه الأساورُ

وأصله تتصدّد من الصّدّ, وهو ما استقبلك, وصار قِبالتك¹ يقال: داري صدَدُ داره أي قِبالتها, نُصِب على الظرف. وقيل: من الصّدَى وهو العطش. أي تتعرض له كما يتعرّض العطشان للماء, والمصَاداة: المعارضة. وقراءة العامة «تَصَدّى» بالتخفيف, على طرح التاء الثانية تخفيفاً. وقرأ نافع وابن مُحيض بالتشديد على الإدغام. {وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزّكّىَ} أي لا يهتدي هذا الكافر ولا يؤمن, إنما أنت رسول, ما عليك إلا البلاغ.
قوله تعالى: {وَأَمّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىَ} يطلب العلم لله {وَهُوَ يَخْشَىَ} أي يخاف الله. {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهّىَ} أي تُعرض عنه بوجهك وتُشْغَل بغيره. وأصله تتلهى¹ يقال: لَهِيتُ عن الشيء ألْهَى: أي تشاغلت عنه. والتلهي: التغافل. ولَهِيتُ عنه وتَليتُ: بمعنى.

** قوله تعالى: كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَي صُحُفٍ مّكَرّمَةٍ * مّرْفُوعَةٍ مّطَهّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ }.
قوله تعالى: {كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ} «كلاّ» كلمة ردع وزجر¹ أي ما الأمرُ كما تفعل مع الفريقين¹ أي لا تفعل بعدها مثلها: من إقبالك على الغنِيّ, وإعراضك عن المؤمن الفقير. والذي جرى من النبيّ صلى الله عليه وسلم كان تركَ الأولَى كما تقدّم, ولو حُمِل على صغيرة لم يبعد¹ قاله القُشيري. والوقف على «كَلاّ» على هذا الوجه: جائز. ويجوز أن تقف على «تَلَهّى» ثم تبتدىء «كَلاّ» على معنى حَقّاً. {إِنّهَا} أي السورة أو آيات القرآن {تَذْكِرَةٌ} أي موعظة وتبصرة للخلق {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} أي اتعظ بالقرآن. قال الجُرجاني: «اِنها» أي القرآن, والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة, أخرجه على لفظ التذكرة, ولو ذَكْره لجاز¹ كما قال تعالى في موضع آخر: {كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ}. ويدل على أنه أراد القرآن قوله: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} أي كان حافظاً له غير ناس¹ وذكّر الضمير, لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ. وروي الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} قال من شاء اللّهُ تبارك وتعالى ألهمه. ثم أخبر عن جلالته فقال: {فَي صُحُفٍ} جمع صحيفة {مّكَرّمَةٍ} أي عند الله¹ قاله السّدّي. الطبريّ: «مُكَرّمةٍ» في الدين لما فيها من العلم والحِكَم. وقيل: «مُكَرمةٍ» لأنها نزل بها كرام الحفظة, أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ. وقيل: «مكرمة» لأنها نزلت من كريم¹ لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه. وقيل: المراد كُتُب الأنبياء¹ دليله: {وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ } {إِنّ هَـَذَا لَفِي} (الأعلى: 18). {مّرْفُوعَةٍ} رفيعة القدر عند الله. وقيل: مرفوعة عنده تبارك وتعالى. وقيل: مرفوعة في السماء السابعة, قاله يحيى بن سلام. الطبريّ: مرفوعة الذكر والقدر. وقيل: مرفوعة عن الشّبَه والتناقض. {مّطَهّرَةٍ} قال الحسن: من كل دنس. وقيل: مصانة عن أن ينالها الكفار. وهو معنى قول السّدّيّ. وعن الحسن أيضاً: مطهّرة من أن تنزل على المشركين. وقيل: أي القرآن أثبت للملائكة في صحف يقرؤونها فهي مكرمة مرفوعة مطهرة. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} أي الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله, فهم بررة لم يتدنسوا بمعصية. ورَوى أبو صالح عن ابن عباس قال: هي مطهرة تجعل التطهير لمن حملها {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال: كَتَبةٍ. وقاله مجاهد أيضاً. وهم الملائكة الكرام الكاتبون لأعمال العباد في الأسفار, التي هي الكتب, واحدهم: سافر¹ كقولك: كاتب وكَتَبة. ويقال: سَفَرْتُ أي كتبتُ, والكتاب: هو السفر, وجمعه أسفار. قال الزجاج: وإنما قيل للكتاب سِفْر, بكسر السين, وللكاتب سافر¹ لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه. يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء, وسَفَرتِ المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها. قال: ومنه سَفَرْت بين القومِ أسْفِر سفارة: أصلحت بينهم. وقاله الفراء, وأنشد:
فما أدَعُ السّفارةَ بينَ قومِيولا أمشِي بغِشّ إن مَشَيْتُ

والسفير: الرسول والمصلح بين القوم, والجمع: سفراء, مثل فقيه وفقهاء. ويقال للورّاقين سُفَراءُ, بلغة العِبرانية. وقال قتادة: السّفَرة هنا: هم القُرّاء, لأنهم يقرؤون الأسفار. وعنه أيضاً كقول ابن عباس. وقال وهب بن مُنَبّه: «بِأيدِي سَفَرةٍ. كِرامٍ بَررَةٍ» هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن العربيّ: لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سَفَرةً, كِراماً بَرَرَة, ولكن ليسوا بمرادفين بهذه الاَية, ولا قاربوا المرادِين بها, بل هي لفظة مخصوصة بالملائكة عند الإطلاق, ولا يشاركُهم فيها سواهم, ولا يدخل معهم في مُتناولها غيرهم. ورُوي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «(مَثَل) الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له, مع السّفَرة الكرام البررة¹ ومثَل الذي يقرؤه وهو يتعاهده, وهو عليه شديد, فله أجران» متفق عليه, واللفظ للبخاريّ. {كِرَامٍ} أي كرام على ربهم¹ قاله الكلبيّ. الحسن: كرام عن المعاصي, فهم يرفعون أنفسهم عنها. وروى الضحاك عن ابن عباس في «كِرامٍ» قال: يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا بزوجته, أو تبرز لغائطه. وقيل: أي يؤثرون منافع غيرهم على منافع أنفسهم. {بَرَرَةٍ} جمع بارّ مثل كافر وكفرة, وساحر وسحرة, وفاجر وفجرة¹ يقال: بر وبارّ إذا كان أهلاً للصدق, ومنه بَرّ فلان في يمينه: أي صدق, وفلان يَبَرّ خالقه ويتبرره: أي يطيعه¹ فمعنى «بررةٍ» مطيعون لله, صادقون لله في أعمالِهم. وقد مضى في سورة «الواقعة» قوله تعالى: {إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ * لاّ يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ} (الواقعة: 79) أنهم الكلام البَرَرَة في هذه السورة.

** قوله تعالى: قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ * مِن نّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ * ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ * ثُمّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ * كَلاّ لَمّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ }.
قوله تعالى: {قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ}؟ «قتِل» أي لعِن. وقيل: عُذّب. والإنسان الكافر. روى الأعمش عن مجاهد قال: ما كان في القرآن «قُتِل الإنسان» فإنما عُني به الكافر. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: نزلت في عُتْبة بن أبي لَهَب, وكان قد آمن, فلما نزلت «والنجم» ارتدّ, وقال: آمنت بالقرآن كلّه إلا النجم, فأنزل الله جل ثناؤه فيه «قتِل الإنسان» أي لُعن عُتبة حيث كفر بالقرآن, ودعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللّهُمْ سلّطْ عليه كلبك أسد الغاضِرة» فخرج من فوره بتجارة إلى الشام, فلما انتهى إلى الغاضرة تذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل لمن معه ألف دينار إن هو أصبح حيا, فجعلوه في وسط الرّفقة, وجعلوا المتاع حوله, فبينما هم على ذلك أقبل الأسد, فلما دنا من الرحال وثب, فإذا هو فوقه فمزقه, وقد كان أبوه ندبه وبكى وقال: ما قال محمد شيئاً قَطّ إلا كان. وروى أبو صالح عن ابن عباس «ما أكفره»: أيّ شيء أكفره؟ وقيل: «ما» تعجب¹ وعادة العرب إذا تعجبوا من شيء قالوا: قاتله الله ما أحسنه! وأخزاه الله ما أظلمه¹ والمعنى: أعجبوا من كفر الإنسان لجميع ما ذكرنا بعد هذا. وقيل: ما أكفره بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه على التعجب أيضاً¹ فهو استفهام توبيخ. و «ما» تحتمل التعجب, وتحتمل معنى أيّ, فتكون استفهاماً. {مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ} أي من أيّ شيء خلق الله هذا الكفار فيتكبر؟ أي اعجبوا لخلقه. {مِن نّطْفَةٍ} أي من ماء يسيرٍ مَهِين جَماد {خَلَقَهُ} فلَم يغلط في نفسه؟! قال الحسن: كيف يتكبر من خرج من سبيل البول مرتين. {فَقَدّرَهُ} في بطن أمه. كذا روى الضحاك عن ابن عباس: أي قدّر يديه ورجليه وعينيه وسائر آرابه, وحسناً ودميماً, وقصيراً وطويلاً, وشقياً وسعيداً. وقيل: «فقدّره» أي فسواه كما قال: {أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً} (الكهف: 37). وقال: {الّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ} (الانفطار: 7). وقيل: «فقدّره» أطواراً أي من حال إلى حال¹ نطفة ثم علقة, إلى أن تم خَلْقه. {ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ} قال ابن عباس في رواية عطاء وقتادة والسدي ومقاتل: يّسره للخروج من بطن أمه. مجاهد: يسّره لطريق الخير والشر¹ أي بيّن له ذلك. دليله: {إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ} (الإنسان: 3) و {وَهَدَيْنَاهُ النّجْدَينِ} (البلد: 10). وقاله الحسن وعطاء وابن عباس أيضاً في رواية أبي صالح عنه. وعن مجاهد أيضاً قال: سبيل الشقاء والسعادة. ابن زيد: سبيل الإسلام. وقال أبو بكر بن طاهر: يَسّر على كل أحد ما خلقه له, وقدّره عليه¹ دليله قوله عليه السلام: «اعملوا فكلّ مُيَسّر لما خُلقِ له». {ثُمّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي جعل له قبراً يوارَى فيه إكراماً, ولم يجعله مما يلُقَي على وجه الأرض تأكله الطير والعوافي¹ قاله الفرّاء. وقال أبو عبيدة: «أقبره»: جعل له قبراً, وأمر أن يُقْبر. قال أبو عبيدة: ولما قَتَل عمرُ بن هُبيرة صالحَ بن عبد الرحمن, قالت بنو تميم ودخلوا عليه: أقبِرنا صالحاً¹ فقال: دونكموه. وقال: «أقبره» ولم يقل قَبَره¹ لأن القابر هو الدافن بيده, قال الأعشى:
لو أسْندتْ مَيْتا إلى نحرِهاعاشَ ولم يُنقَلْ إلى قابِرِ

يقال: قبرت الميت: إذا دفنته, وأقبره الله: أي صيره بحيث يُقْبر, وجعل له قبراً¹ تقول العرب: بترت ذَنَب البعير, وأبتره الله, وعضبت قَرْن الثور, وأعضبه الله, وطردت فلاناً, والله أطرده, أي صيره طريداً. {ثُمّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} أي أحياه بعد موته. وقراءة العامة «أنشرهُ» بالألف. وروي أبو حَيْوة عن نافع وشعيب بن أبي حمزة «شاء نشره» بغير ألف, لغتان فصحيتان بمعنى¹ يقال: أنشر الله الميت ونَشَره¹ قال الأعشى:
حتى يقولَ الناس مما رأوايا عَجَبَا لِلميتِ الناشِرِ

قوله تعالى: {كَلاّ لَمّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ} قال مجاهد وقتادة: «لَمّا يَقْضِ»: لا يقضي أحد ما أمرِ به. وكان ابن عباس يقول: «لما يقضِ ما أمره» لم يف بالميثاق الذي اُخِذَ عليه في صلب آدم. ثم قيل: «كَلاّ» ردع وزجر, أي ليس الأمر: كمَا يقول الكافر¹ فإن الكافر إذا اُخبر بالنّشور قال: {وَلَئِن رّجّعْتُ إِلَىَ رَبّيَ إِنّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىَ} (فصلت: 50) ربما يقول قد قضيت ما أمِرْت به. فقال: كلاّ لمْ يقض شيئاً بل هو كافر بي وبرسولي. وقال الحسن: أي حَقّاً لم يقض: أي لم يَعمل بما اُمر به. و «ما» في قوله: «لَمّا» عماد للكلام¹ كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ} (آل عمران: 159) وقوله: {عَمّا قَلِيلٍ لّيُصْبِحُنّ نَادِمِينَ} (المؤمنون: 40) وقال الإمام ابن فُورَك: أي: كَلاّ لَمّا يقض الله لهذا الكافر ما أمره به من الإيمان, بل أمره بما لم يقض له. ابن الأنباريّ: الوَقف على «كَلاّ» قبيح, والوقف على «أمره» و «نشره» جيد¹ فـ «ـكلاّ» على هذا بمعنى حَقّا.

** قوله تعالى: فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ * أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً * ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مّتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ }.
قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ} لما ذكر جل ثناؤه ابتداء خلق الإنسان, ذكر ما يُسّر من رزقه¹ أي فلينظر كيف خَلَق الله طعامه. وهذا النظر نظر القلب بالفكر¹ أي ليتدبرْ كيف خَلَق الله طعامَه الذي هو قِوام حياته, وكيف هيأ له أسباب المعاش, ليستعد بها للمعاد. ورُوِى عن الحسن ومجاهد قالا: «فَلينْظرِ الإنسان اِلى طعامِهِ» أي إلى مُدْخله ومُخْرجه. وروي ابن أبي خيثمة عن الضحاك بن سفيان الكلابيّ قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا ضحاكُ ما طعامك» قلت: يا رسول الله! اللّحم واللبن¹ قال: «ثم يصير إلى ماذا» قلت إلى ما قد علمته¹ قال: «فإنّ الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا». وقال أبيّ بن كعب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مَطْعَمَ ابن آدم جُعِل مثلاً للدنيا وإن قَزَحَه ومَلّحه فانظر إلى ما يصير». وقال أبو الوليد: سألت ابن عَمر عن الرجل يدخل الخَلاء فينظر ما يخرج منه¹ قال: يأتيه الملك فيقول انظر ما بَخِلت به إلى ما صار؟
قوله تعالى: {أَنّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً} قراءة العامة «اِنا» بالكسر, على الاستئناف. وقرأ الكوفيون ورُوَيْس عن يعقوب «أنا» بفتح الهمزة, فـ «ـأنا» في موضع خفض على الترجمة عن الطعام, فهو بدل منه¹ كأنه قال: «فلينظرِ الاِنسان اِلى طعامِهِ» إلى «أنا صببنا», فلا يحسُن الوقف على «طعامِهِ» من هذه القراءة. وكذلك إن رفعت «أنا» بإضمار هو أنا صببنا¹ لأنها في حال رفعها مترجِمة عن الطعام. وقيل: المعنى: لأنا صببنا الماء, فأخرجنا به الطعام, أي كذلك كان. وقرأ الحسين بن عليّ «أنّى» ممال, بمعنى كيف؟ فمن أخذ بهذه القراءة قال: الوقف على «طعامه» تام. ويقال: معنى «أنّى» أين, إلا أنّ فيها كناية عن الوجوه¹ وتأويلها: من أي وجه صَببنا الماء¹ قال الكميت:
أنّى ومِنْ أينَ آبكَ الطّرَبُمِن حيثُ لا صَبْوةٌ ولا رِيبُ
«صببنا الماء صباً»: يعني الغيث والأمطار. {ثُمّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّاً}: أي بالنبات {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً} أي قمحاً وشعيراً وسُلْتاً وسائر ما يُحْصَد ويدّخر {وَعِنَباً وَقَضْباً} وهو القَتّ والَعلَف¹ عن الحسن: سمي بذلك لأنه يُقْضَب أي يقطع بعد ظهوره مرة بعد مرة. قال القُتَبيّ وثعلب: وأهل مكة يسمون القَتّ القَضْب. وقال ابن عباس: هو الرّطب لأنه يُقَضب من النخل: ولأنه ذكر العِنب قبله. وعنه أيضاً: أنه الفِصفِصة وهو القَتّ الرطب. وقال الخليل: القضب الفِصْفِصة الرطبة. وقيل: بالسين, فإذا يبست فهو قَتّ. قال: والقضْب: اسم يقع على ما يُقْضب من أغصان الشجرة, ليتخذ منها سِهام أو قِسِيّ. ويقال: قَضْباً, يعني جميع ما يقضب, مثل القَتّ والكُرّاث وسائر البقول التي تقطع فينبت أصْلها. وفي الصحاح: والقَضْبة والقَضْب الرّطْبة, وهي الإسفِسْت بالفارسية, والموضع الذي يَنْبُت فيه مَقْضَبة. {وَزَيْتُوناً} وهي شجرة الزيتون {وَنَخْلاً} يعني النخيل {وَحَدَآئِقَ} أي بساتين واحدها حديقة. قال الكلبي: وكل شيء أحيط عليه من نخيل أو شجر فهو حديقة, وما لم يُحَط عليه فليس بحديقة. {غُلْباً} عظاماً شجرها¹ يقال: شجرة غَلْباء, ويقال للأسد: الأغلب¹ لأنه مُصْمَت العنق, لا يلتفت إلا جميعاً¹ قال العجاج:
ما زِلتُ يوم البَيْن ألوِي صَلَبِيوالرأسَ حتى صِرتُ مِثلْ الأغلبِ

ورجل أغلب بيّن الغَلَب إذا كان غليظ الرقبة. والأصل في الوصف بالغلَب: الرقاب فاستعير¹ قال قال عمرو بن مَعْدِي كرِب:
يَمشِي بها غُلْب الرقابِ كأنهمبُزْل كُسِين مِن الكُحَيْلِ جِلالا
وحديقة غلباء: ملتفة وحدئق غُلْب. واغلَولَب العشب: بلغ والتف البعض بالبعض. قل ابن عباس: الغُلْب: جمع أغلب وغلباء وهي الغِلاظ. وعنه أيضاً الطّوال. قتادة وابن زيد: الغُلْب: النخل الكرام. وعن ابن زيد أيضاً وعِكرمة: عظام الأوساط والجذوع. مجاهد: ملتفة. {وَفَاكِهَةً} أي ما تأكله الناس من ثمار الأشجار كالتين والخَوْخ وغيرهما {وَأَبّاً} هو ما تأكله البهائم من العُشب¹ قال ابن عباس والحسن: الأبّ: كل ما أنبتت الأرض, مما لا يأكله الناس, ما يأكله الاَدميون هو الحَصيد¹ ومنه قول الشاعر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
لَه دَعْوة ميْمونة ريُحها الصّبابها يُنبِتُ الله الحصِيدة والأبّا
وقيل: إنما سمي أبّا¹ لأنه يُؤَبّ أي يُؤَمّ ويُنْتجَع. والأب والأم: أخَوان¹ قال:
جِذمنا قيسٌ ونجدٌ دارناولنا الأبّ بِهِ والمَكْرَع
وقال الضحاك: والأب: كل شيء ينبت على وجه الأرض. وكذا قال أبو رَزِين: هو النبات. يدلّ عليه قول ابن عباس قال: الأبّ: ما تنبت الأرض مما يأكل الناس والأنعام. وعن ابن عباس أيضاً وابن أبي طلحة: الأبّ: الثمار الرّطْبة. وقال الضحاك: هو التين خاصة. وهو محكي عن ابن عباس أيضاً¹ قال الشاعر:
فما لَهُمُ مَرْتَعٌ لِلسّوامِ والأبّ عندَهم يُقْدَرُ
الكلبيّ: هو كل نبات سوى الفاكهة. وقيل: الفاكهة: رَطْب الثمار, والأب يابسها. وقال إبراهيم التيميّ: سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن تفسير الفاكهة والأب فقال: أيّ سماء تُظِلني, وأيّ أرض تُقِلّني إذا قلت: في كتاب الله ما لا أعلم. وقال أنس: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ هذه الاَية ثم قال: كل هذا قد عرفناه, فما الأبّ؟ ثم رفع عصا كانت بيده وقال: هذا لعَمْر اللّهِ التكلّف, وما عليك يا بن أم عُمَر ألاّ تدري ما الأب؟ ثم قال: اتبعوا ما بُيّن لكم من هذا الكتاب, وما لا فدعوه. ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خُلِقتم من سبْع, ورزِقتم من سبع, فاسجدوا لله على سبْع». وإنما أراد بقوله: «خلقتم من سبع» يعني {مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ مِن مّضْغَةٍ} (الحج: 5) الاَية, والرزق من سْبع, وهو قوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً } إلى قوله: {وَفَاكِهَةً} , ثم قال: {وَأَبّاً} وهو يدل على المصدر المؤكّد, لأن إنبات هذه الأشياء إمتاع لجميع الحيوانات. وهذا ضرب مثلٍ ضربه الله تعالى لبعث الموتَى من قبورهم¹ كنبات الزرع بعد دُثُوره, كما تقدم بيانه في غير موضع. ويتضمن امتناناً عليهم بما أنعم به, وقد مضي في غير موضع أيضاً.

** قوله تعالى: فَإِذَا جَآءَتِ الصّآخّةُ * يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ }.
قوله تعالى: {فَإِذَا جَآءَتِ الصّآخّةُ} لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد, ليتزودوا له بالأعمال الصالحة, وبالإنفاق مما امتَنّ به عليهم. والصاخّة: الصيحة التي تكون عنها القيامة, وهي النفخة الثانية, تَصُخ الأسماع: أي تُصِمّها فلا تسمع إلا ما يُدْعَى به للأحياء. وذكر ناس من المفسرين قالوا: تِصيخ لها الأسماع, من قولك: أصاخ إلى كذا: أي استمع إليه, ومنه الحديث: «ما من دابة إلاّ وهي مُصِيخة يومَ الجمعة شَفَقاً من الساعة إلاّ الجنّ والاِنس». وقال الشاعر:
يُصِيخُ لِلّنبْأةِ أسْماعَهُاِصاخةَ المُنْشِدِ لِلمنْشِدِ

قال بعض العلماء: وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء, فأما اللغة فمقتضاها القول الأوّل, قال الخليل: الصاخّة: صيحة تَصُخّ الاَذان صَخّا أي تُصِمّها بشدة وقعتها. وأصل الكلمة في اللغة: الصّكّ الشديد. وقيل: هي مأخوذة من صَخّه بالحجر: إذا صَكّه, قال الراجز:
يا جارتِي هل لكِ أن تجالِدِيجلادة كالصّك بالجَلامِدِ

ومن هذا الباب قول العرب: صَخّتْهمُ الصّاخة وباتتهم البائتة, وهي الداهية. الطبريّ: وأحسبه من صَخّ فلان فلاناً: إذا أصماه. قال ابن العربيّ: الصاخّة التي تُورِث الصّمَم, وإنها لمُسِمعة, وهذا من بديع الفصاحة, حتى لقد قال بعض حَديثي الأسنان حديثي الأزمان:
* أصَمّ بِكَ الناعِي واِنْ كان أسْمَعا * وقال آخر:
أصَمّنِي سِرّهم أيامَ فُرقتهمفهل سمِعتم بسِر يُورِث الصّمَما

لعمر اللّهِ إنّ صيحة القيامة لمسمِعة تُصِم عن الدنيا, وتُسمِعُ أمور الاَخرة.
قوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} أي يهرب, أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه¹ أي من موالاة أخيه ومكالمته¹ لأنه لا يتفرغ لذلك, لاشتغاله بنفسه¹ كما قال بعده: {لِكُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي يشغله عن غيره. وقيل: إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه, لما بينهم من التّبِعات. وقيل: لئلا يرَوَا ما هو فيه من الشدة. وقيل: لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئاً¹ كما قال: «يوم لا يغنِي مولًى عن مولًى شيئاً». وقال عبد الله بن طاهر الأبهري: يفرّ منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم, إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه, ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئاً سوى ربه تعالى. {وَصَاحِبَتِهُ} أي زوجته. {وَبَنِيهِ} أي أولاده.
وذكر الضحاك عن ابن عباس قال: يفرّ قابيلُ من أخيه هابيلَ, ويفر النبيّ صلى الله عليه وسلم من أمه, وإبراهيم عليه السلام من أبيه, ونوح عليه السلام من ابنه, ولوط من امرأته, وآدم من سَوْأة بنيه. وقال الحسن: أوّل من يفرّ يوم القيامة من أبيه: إبراهيم, وأوّل من يفرّ من ابنه نوح, وأوّل من يفرّ من امرأته لوط. قال: فيَرون أن هذه الاَية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ. {لِكُلّ امْرِىءٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}. في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «يُحْشَر الناس يوم القيامة حفُاة عُراة غُرْلاً» قلت, يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: «يا عائشة, الأمر أشدّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض». خرّجه التّرمذي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُحشرون حفاة عُراة غُرْلاً» فقالت امرأة: أينظر بعضنا, أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلان» «لكل امرِيء مِنهم يومِئذٍ شأن يغنِيهِ. قال: حديث حسن صحيح. وقراءة العامة بالغين المعجمة¹ أي حالٌ يشغَله عن الأقرباء. وقرأ ابن مُحيصن وحُميد «يَعْنِيهِ» بفتح الياء, وعين غير معجمة¹ أي يعنيه أمره. وقال القُتَبي: يعنيه: يصرفه ويُصدّه عن قرابته¹ ومنه يقال: اعْنِ عني وجهك: أي اصرفْه واعنِ عن السفيه¹ قال خُفاف:
سَيَعْنِيك حرب بني مالِكٍعن الفُحْشِ والجهلِ في الْمَحفِل

قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مّسْفِرَةٌ}: أي مُشرقة مضيئة, قد علمت مالها من الفوز والنعيم, وهي وجوه المؤمنين. {ضَاحِكَةٌ} أي مسرورة فَرِحة. {مّسْتَبْشِرَةٌ}: أي بما آتاها الله من الكرامة. وقال عطاء الخُراساني: «مُسْفِرة» من طول ما اغْبرت في سبيل الله جل ثناؤه. ذكره أبو نَعِيم. الضحاك: من آثار الوضوء. ابن عباس: من قيام الليل¹ لما رُوي في الحديث: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» يقال: أسفر الصبح إذا أضاء. {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبار ودخان {تَرْهَقُهَا} أي تغشاها {قَتَرَةٌ} أي كسود وسواد. كذا قال ابن عباس. وعنه أيضاً: ذِلة وشِدّة. والقَتَر في كلام العرب: الغبار, جمع القَتَرة, عن أبي عُبيد¹ وأنشد الفرزدق:
مُتَوّجٌ بِرِداء الملكِ يَتْبعهمَوجٌ ترى فوقه الراياتِ والقَتَرا

وفي الخبر: إن البهائم إذا صارت تراباً يوم القيامة حُوّل ذلك التراب في وجوه الكفار. وقال زيد بن أسلم: القَترة: ما ارتفعت إلى السماء, والغَبَرة: ما انحطت إلى الأرض, والغبار والغَبَرة: واحد. {أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ} جمع كافر {الْفَجَرَةُ } جمع فاجر, وهو الكاذب المفترى على الله تعالى. وقيل: الفاسق¹ (يقال): فجر فجوراً: أي فسق, وفجر: أي كذب. وأصله: الميل, والفاجر: المائل. وقد مضى بيانه والكلام فيه. والحمد لله وحده.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://apowesam.yoo7.com
 
تفسير سوره عبس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابــــــــــو وســــــــــــــــــــــام :: الفئة الأولى :: فى رحاب القرءان-
انتقل الى: